اخوتي في البلدان العربية المتنوعة القوميات والطوائف:

إستفيدوا من فشلنا في معالجة هذه المشكلة، في العراق وسوريا واليمن والسودان!

الصدى مفهوم الوحدة٠الوطنية

سليم مطر ـ جنيف

ـ خطيأتنا الكبرى: لقد تركنا الحكومات والاحزاب وحدها تعالج المشكلة،

ولم نشرك المؤسسات الثقافية والجامعية والشعبية بالبحث والحوار.

ـ لقد تركنا شياطين الغرب وإسرائيل وشيوخ الظلام، يثقفون شركائنا في الوطن، ويكتبون لهم تاريخهم بصورة متعصبة وعنصرية وحقودة، طائفيا وقوميا!

ـ ان الحل بيد المثقفين والجامعيين ورجال الدين، قبل ان يكون بيد الحكومات والاحزاب!

ـ ـ الخطابات والشعارات وحدها لا تكفي، بل في إحياء وتطوير (الهوية الوطنية) الجامعة التي ينتمي اليها جميع فرقاء الوطن!

ـ هل تعلمون ماذا فعلت إسرائيل في اول عام من احتلالها سيناء: اسست معهدا جامعيا لدراسة مجتمع وثقافة وتاريخ وعادات بدو سيناء!! لماذا؟!!!؟؟

احدثكم عن الحالة العراقية التي اعرفها جيدا: نحن خلقنا دولة حديثة وجامعة في عام 1921 ولكننا نخبنا الثقافية والحزبية والدينية، اعتقدت بكل تكاسل وسذاجة ان حل مشكلة الفروق القومية(عرب وأكراد، بالاضافة الى التركمان والسريان واليزيدية واليهود سابقا، وغيرهم)، بالاضافة الى الانقسام الطائفي ( الشيعي ـ السني)، يكفي لحلها، السكوت عنها، أو في احسن الاحوال رفع الشعارات الطنانة عن (الوحدة الوطنية)و(على صخرة الاخوة العربية ـ الكردية تتحطم مؤامرات الاعداء) الخ..

دعوني اعطيكم مثالي انا شخصيا، لتوضيح الاشكالية: انا ابن بغداد ومن عائلة عربية مسلمة شيعية، ولكني عشت في منطقة بغدادية متنوعة غالبيتها من المسيحيين العراقيين الكلدان. منذ سن مبكر انتميت للحزب الشيوعي العراقي، وكنت اعرف الكثير عن اوربا وروسيا وثوراتها وحضاراتها. لكني مع ذلك كنت اجهل بصورة كاملة كل شيء عن مجتمعي الذي اعيش فيه. طيلة سنوات المدرسة ثم علاقاتي الحزبية، لم يعلمني احد أي سطر عن قوميات وطوائف بلادي. وللمرة الاولى التي اخذت فيها فكرة عن مجتمعات الاكراد والشيعة والسنة، بعد اقامتي في اوربا، في كتاب لباحث امريكي فلسطيني(حنا بطاطو) الذي كرس حياته لكتابة تاريخ المجتمع في العراق الحديث.

حتى هجري لبلادي كنت مثل جميع اليساريين العراقيين، اقدس القضية الكردية، والكثير من اصدقائي اكراد، بل غالبا ما كنت ادعي باني كردي ، كنوع من التضامن معهم. وكان حلمنا جميعا ان نذهب الى جبال كردستان لكي نسقط حكومة البعث وصدام. والكثير من اصدقائي ورفاقي العراقيين العرب استشهدوا هناك تضامنا مع الاكراد. لكن الصدمة المرعبة اصابتني عندما اكتشف هنا في اوربا، كيف ان الكثير من أعزائي الاكراد، يتخلون فجأة عن عراقيتهم، ويرددون للاوربين بكل غدر وتملق:

(( نحن لسنا مثل العرب البدو، نحن آريون مثل الاوربيين، والعرب الهمج يقتلونا ويسرقون نسائنا ويبيعوهن لامراء الخليج..) !!

ومع الزمن رحت اكتشف مذهولا الطروحات الخرافية التي لم يتخليها اكبر المخبولين، التي يتداولها الاكراد عن تاريخهم الذي يبدأ منذ (آدم وحواء)، بل ان (آدم) نفسه كردي، كذلك النبي ابراهيم!! وان جميع حضارات الشرق الاوسط، في تركيا والعراق وايران، هي بالاساس كردية. ولولا الاكراد وصلاح الدين لانتهى العرب والمسلمين. وان نصف المبدعين المصريين والاتراك والسوريين والعراقيين، هم اكراد، وهكذا دوليك بصورة كابوسية! والاتعس، ان كل هذه الطروحات المرضية، ممزوجة بحقد خرافي اسود ضد شعوب المنطقة، الذين تبين انهم منذ آلاف السنين يمضون وقتهم بقتل الاكراد المسالمين وسبي نسائهم وسرقة حضارتهم!!

                                                    خطيئة النخب العراقية!

حتى الآن لو سألت 90% من المثقفين والحزببين والدينيين العراقيين، عن تاريخ بلادهم وماهية قومياتها وطوائفها، ستراهم يجهلون تماما تماما. بل الكثير منهم وخصوصا الحداثيين يعرفون عن تاريخ اوربا وروسيا وكوبا والصين اكثر من العراق!؟ واذا تحدثوا عن تاريخ العرب والمسلمين، فيكون عادة بالسلبية والشتائم التي يخجل منها اتعس عنصري اوربي!

فلو اخذنا مثال، الحزب الشيوعي العراقي، الذي كان مسيطرا لاجيال عديدة على غالبية العراقيين ومثقفيهم، وظل دائما يقدس(القضية الكردية) ويهلل ليل نهار بـ(حقوق الاكراد) و(الاخوة العربية الكردية)، لم يصدر طيلة عشرات السنين من الثرثرة والصخب، كتابا واحدا يشرح لنا فيه من هم اكراد العراق، تاريخهم ومناطقهم وتراثهم. بل هو اساسا لم يصدر كتابا واحدا عن تاريخ العراقيين جميعهم، لانه يعتبر ان التاريخ الوحيد الذي يستحق الذكر هو (كفاح الطبقة العاملة العراقية)!!!  اما بالنسبة للانقسام الشيعي ـ السني، فهو امر رجعي متخلف همجي امبريالي، ولا يستحق حتى ذكره شفهيا، ناهيك عن الكتابة والبحث فيه! ولم يكتب حتى مقالا واحدا عن هذه المسألة من قبل جميع الاحزاب والنخب العراقية المهيمنة، حتى بروز التيار الاسلامي في سنوات الثمانينات من القرن الماضي!

اما حزب البعث الذي هيمن على الدولة والمجتمع لاربعين عاما، فقد وجد صيغته السحرية لتوحيد العراقيين في شعارات العروبة الخلابة عن (الوحدة من الخليج الثائر الى المحيط الهادر)! واننا جميعا عرب اقحاح احفاد(قحطان وعدنان)، بل حتى الاكراد هم من اصل عربي! وصار على العراقي لكي يثبت عراقيته، ان يثبت اولا ان اسلافه قادمين الجزيرة العربية!

نعم باختصار اقول: ان مسألة(الوحدة الوطنية)، التي هي اخطر واكبر واهم مسألة يعيشها شعبنا منذ تكوين دولتنا حتى الآن، لم نعالجها سوى بالشعارات السطحية والخطابات الحزبية الزائفة والقرارات الحكومية الجائرة. مثل الاطفال التائهين بقينا نلهث وراء الاحداث التي تسبقنا دائما، لان الذي يخطط لها بعد دراستها بعمق، ليس نحن بل اعدائنا في الخارج(الدول المحيطة والغرب واسرائيل)!

ان ادراكي لهذا التجاهل والجهل المخزي من قبل النخب العراقية لواقعنا ومجتمعنا وتاريخنا الوطني، دفعني منذ ان بدأت الكتابة في جنيف، أن اكرس نفسي لموضوع(الهوية الوطنية) في العراق خصوصا، وفي العالم الشرقي (العربي). حتى رواياتي وقصصي لها علاقة بموضوع الهوية. بعد عام 2003، ومن جنيف، اسست مجلة (ميزوبوتاميا ـ بلاد النهرين) المكرسة كليا للتعريف بالهوية والجماعات العراقية( القوميات والطوائف، والتاريخ والجغرافية، وغيرها). واصدرت موسوعات عديدة للتعريف بمختلف المناطق والجماعت العراقية. ويمكنني ان اقولها بكل تواضع وصدق، ولكن بألم ايضا: اني وحدي وبامكانياتي المادية الفقيرة جدا، ومقاطعة جميع اصحاب المال والسلطان لي، اصدرت من الكتب والموسوعات التي تعرف بالعراق والعراقيين، ما يفوق عشرات المرات ما اصدرته جميع حكومات العراق واحزابه ونخبه، بكل مؤسساتها وملياراتها، حول نفس الموضوع طيلة التاريخ الحديث! (طالعوا موقعينا:

 http://www.mesopot.com/default

http://www.mesopot.com/default

                                                      ما هو المطلوب؟!

إذن يا اخوتي، في البلدان العربي المتنوعة القوميات والطوائف، لكي تلحقوا على انفسكم وتستعدوا لهذه المشكلة المتفاقمة، وقبل ان تحل في مجتمعاتكم  كوارث التعصب والتمزق والاحتراب، كما حصل ويحصل في العراق وسوريا والسودان واليمن، المطلوب الاهتمام بالأمور التالية:

اولا: تكوين المؤسسات الثقافية ومراكز الدراسة الجامعية المتخصصة بموضوع(الهوية الوطنية)، أي التعريف بالجماعات القومية والدينية والمناطقية التي يتكون منها المجتمع. والحرص على ابراز الجوانب الايجابية المشتركة. وخصوصا خصوصا خصوصا كتابة تاريخ هذه الجماعات بصورة تؤكد على الوحدة الوطنية. وان تشرف هذه المؤسسات على كتابة المواد المدرسية والجامعية في التاريخ والتربية والمجتمع، بمنضور الهوية الوطينة الجامعة.

في نفس الوقت، متابعة وتفنيد المنشورات الحاوية على الادعاءات والتواريخ التعصبية والعنصرية التي تكتبها وتنشرها الجهات المدفوعة من اعداء الوطن والمدعومة من المؤسسات الثقافية والجامعية الغربية والاسرائيلية.

ثانيا: اصدار مجلة او مجلات متخصصة بدراسة والتعريف بجماعات الوطن، جغرافيا وتاريخا وتراثيا، والتاكيد المطلق على المشتركات الوطنية.

ثالثا: تكوين الجمعيات الاجتماعية والترفيهية والدينية، التي تهتم وتبرز التقارب بين جماعات الوطن، واشراك المؤسسات الاعلامية والدينية بالمساهمة بهذه المناسبات الجامعة، وعمل البرامج والافلام التعريفية بتنوعات الوطن.

رابعا: المنع التام لاي تجمع او تنظيم سياسي خاص بجماعة معينة. بل يكون الشرط الاول والعرف الاخلاقي السائد ان تكون جميع المنظمات والاحزاب مهما كانت خصوصيتها ان تمثل جميع ابناء الوطن، وأن تكون قيادتها وبرنامجها تمثل فعليا مختلف تنوعات ومناطق الوطن.