Capture 6 

(محبة النفس)، أم (التضحية بالنفس)،

مفتاح جميع العقائد والاديان؟!

picture rhinestones Green font b tree b font font b love b font diamond painting Diamond

سليم مطر ـ جنيف

 

من يطالع تاريخ البشرية يكتشف بوضوح الحقيقة التالية:

ان جميع الاديان والعقائد والفلسفات، مهما كانت وعودها ونواياها، ومهما كانت انجازاتها الحضارية، ماديا وثقافيا، إلاّ إنها بالنتيجة قد فشلت بجلب الصفاء والطمأنينة للإنسان، لأن الحياة والظروف دائما  اقوى من المعتقدات:

 ـ دعوة المسيحية للسلام والتسامح، انتهت بخلق امبراطوريات حربية استعمارية استعبادية!

ـ دعوة الاسلام للحق والعدل، انتهت بخلق امبراطوريات حربية توسعية وطبقات مترفة.

ـ دعوة الليبرالية الى الحرية والديمقراطية، انتهت بخلق دول وطبقات استغلالية استعمارية مادية.

ـ دعوة الشيوعية الى المساوات، انتهت بخلق انظمة دكتاتورية جامدة ومعزولة.

1

والسبب لا يكمن في هذه العقائد والاديان، بل السبب بكل بساطة: انها جميعها يحملها بشر، وهؤلاء البشر مهما إدعوا وآمنوا، فانهم يبقون بشرا، خاضعين لشروط الحياة وظروف  الزمان ونزوات النفس وصراع المصالح والتفسيرات المختلفة.

فمن الخطأ والسذاجة والحماقة الاعتقاد بأن الدين او العقيدة الفلانية، ستجلب لنا الخلاص وتحقق حلم العدالة والمساوات والسلام على الارض. ان تاريخ البشرية فضح ولا زال يفضح كيف ان نفس العقيدة أو الدين، يتم تطبيقه بصورة مختلفة ومتناقضة تماما حسب اختلاف البلدان والحكام والمراحل. والعجيب، ان الجميع يدّعون انهم يطبقون الشكل الصحيح والقويم لهذا الدين والعقيدة، وان ألآخرين هم المنحرفين والزنادقة!  

                                         مأزق الانسانية الابدي!

Capture 1

 

طبعا من السذاجة ايضا مطالبة البشربالتخلي عن العقائد والاديان، فهذا امر مستحيل، كأنك تطالبهم بالتخلي عن حاجتهم للاحلام والتفكير والآمال. ان العقائد والاديان، تلبي حاجات نفسية قبل الحاجات الحياتية والالهية. فبواسطتها يطمئن البشر انفسهم بانهم ذات يوم سوف يحصلون على الخلاص ويتجاوزون مشاكلهم وعذاباتهم، بواسطة الاسلام او المسيحية او البوذية او الهندوسية، او الشيوعية او الليبرالية والديمقراطية، ووو الخ...

وهكذا عاشت وتعيش البشرية منذ فجر التاريخ حتى اشعار آخر. كل عقيدة او دين او حضارة، تدعي  ان فيها وحدها  الخلاص الابدي.

لكن التاريخ يبين لنا، ان جميع العقائد والاديان والحضارات، ليس أكثر من علاجات او مخدرات  لتخفيف العذاب البشري المحتوم. لان العذاب يكمن في الحياة نفسها، في الوجود الانساني نفسه، في تلك المعضلات البدنية والنفسية التي يستحيل حلها: حساسية البدن وحاجته الدائمة لاشباع غرائزه: الجوع والبرد والعطش والنوم والجنس.. الخ.. كذلك حاجاته النفسية: الكرامة والالفة والتسلية.. الخ.. وارتباط هذه الحاجات بمخاطر المرض والعدوان وفراق الاحباب وشبح الموت المهيمن على الحياة.

كل هذه المشكلات عجزت جميع الاديان والعقائد والحضارت والتكنولوجيات والالكترونيات والمراكب الفضائية والانترنتات، عن تقديم الحل السحري الكامل والابدي لها.  حتى الآن رغم جميع الثورات العلمية والطبية، عندما نصاب بالرشح او الصداع او الجرح، نعاني مثل اسلافنا الذين كانوا يعيشون في الكهوف. حتى الآن حاجاتنا الغريزية لم تنقص ولم تشبع. الحاجة الجنسية نرضيها بنفس الفهولات والشروط التي كان يمارسها اسلافنا. حاجتنا للمحبة والصداقة تلاقي نفس المصاعب والشروط رغم جميع وسائل الاتصال العابرة للقارات وشبكات التواصل الاجتماعي. الامراض والحوادث والحروب والكوارث الطبيعية، لا زالت تهددنا مهما تغيرت اسمائها واشكالها، ترعبنا وتقضي على الملايين منا في كل يوم وكل ساعة. 

ورغم جميع جميع العقائد والاديان والطوائف، القديمة والجديدة، ورغم جميع فذلكات الحداثة وفلسفاتها عن الديمقراطة والعلمانية والتقدمية وحقوق الانسان، الا ان الانسان بقي هو هو: جبار في انجازاته وافكاره وابداعاته، ومسكين ضعيف في تفاصيل حياته، كلمة سيئة تجرحه، وكلمة طيبة تفرحه، وجرثومة تمرضه، وقشرة موز قد تزلقه وتكسر اضلاعه، حتى لو كان زعيم دولة او ملياردير.

                                محبة النفس.. مفتاح الحلول واسهلها!

Capture2

 

 

 

 

 

 

 

لا ندعي ابدا اختراعنا فكرا جديدا، فقبلنا الكثيرون نادوا بما يقرب من هذا، مثل المتصوفة والبوذية.  لكن قد يكون الجديد في أمرنا، اننا لا ندعو الى عقيدة او دين، بل الى فكرة بسيطة يمكن تسميتها (مفتاح) او (منظار) للتعامل مع جميع العقائد والاديان. أي اننا لا ندعوا الى استبدال او الغاء العقائد والاديان، بل الى الابقاء عليها ومحاولة التعامل معها وتطويعها بـ(مفتاح المحبة) هذا.  نعم هذا (المفتاح)  نأمل ان يكون قابلا للاستخدام في كل مكان وزمان: محبة النفس!   كيف؟!

كل انسان يحمل في داخله(نفحة من روح الكون، نفحة من الروح الالهية المطلقة). هذه الروح الكونية هي التي تمنح البشر طاقة الحياة، وكذلك الحس بالجمال والعدالة، أي الضمير. وقد عبر عن هذا بصورة تقريبية المعتقد(الحلولي) لدى المتصوفة، والذي يعني ان الله يحلّ في مخلوقاته، مثل الشجرة في اغصانها وأوراقها وثمارها. لهاذ قال المتصوف العراقي((الحلاج، القرن 10 م): (ان الله في جبتي). وشبّه علاقة الانسان بالله: (ان النقطة أصل كل خط، والخط كله نقط مجتمعة. فلا غنى للخط عن النقطة، ولا للنقطة عن الخط).

لماذا محبة النفس؟                                                        

Capture 3

ـ من لا يحب نفسه لا يمكنه ان يحب اي انسان ولا حتى الحياة. لان اقرب انسان الى الانسان، ذاته هو.

فمن لا يحب انسانه، فكيف يحب باقي البشر؟!

ـ الانسان الاناني لا يحب نفسه، بل يكرهها ويخشاها.  فمن يحب نفسه يطمح لجعل كل الناس يحبونه. لكن الاناني لا يجلب لنفسه غير كره الناس أو سخريتهم او خشيتهم منه. انه يعيش في صراع دائم ضد نفسه والناس. وعلاقته بهم قائمة على التسلط والخداع، وليس المحبة والكرامة.

ـ من يحب نفسه، مثل الذي يحب طفله، يحترمه ويرعاه ويقدم له ماهو نقي وجميل، فلا يلوثه بالكذب والظلم والقبح.

ـ من يحب نفسه، يحب اقرب الناس اليه الذين يعايشهم ويعرفهم، في البيت والحارة والوطن، لان محبتهم تجلب له الهناء والسلام وراحة الضمير.

ـ من يحب نفسه يقينا انه يحب الانسانية جمعاء، لان نفحة الروح الالهية فيه، هي ثمرة  في شجرة الوجود، وجميع البشر ثمرات فيها. والذي يدرك ويتواصل مع روحه الالهية، لا بد ان يتواصل مع باقي الارواح ويدركها ويتأثر بمشاعرها، مهما كانت بلدانها واديانها.

ـ من يحب نفسه، لابد ان يحب الطبيعة بنباتها وحيوانها وافلاكها، لان نفحة الروح الالهية التي فيه، جزء من روح الطبيعة والكون. الانسان مثل الجنين في رحم امه الطبيعة،  وأي اذى او تلويث او تشويه للطبيعة الام، يؤذي هذا الانسان الجنين. وكما عبّر عن هذا الروحاني المسيحي الالماني(ميستر إكهرت، القرن 14م ) بقوله، ان لكل إنسان روحه الشخصية المتميزة التي  تختلف عن روح الآخر، مثل صفحات مختلفة مكتوب على كل منها كلاما مختلفا. لكننا نشترك ببياض صفحاتنا الذي هو روح الله. وان الانسان النقي تبلغ روحه درجة عليا تتجاوز ما فيها من معلومات وكلمات ولا تبقي سوى البياض الالهي.

Capture4

ـ من يحب نفسه، لا بد ان يحب الجمال بجميع تعبيراته الفنية والادبية: الموسيقى والرسم والشعر والقصة، وغيرها الكثير. لان روح الكون قائمة على اساس الانسجام والتناغم، أي الجمال، والمتمثل بدورة الافلاك والمواسم والليل والنهار، والاتقان العجيب لتشكيل المخلوقات واجهزتها واصواتها والوانها ومقدراتها.

ـ من يحب نفسه، لا يمكنه ان يكون متعصبا ومتطرفا وعنيفا في عقيدته ودينه، لأنه محبته للأنسانية وللطبيعة وللجمال تجعله رحيما ومتضامنا حتى مع اتباع العقائد والاديان الاخرى. لان التعصب والتطرف ينبعان من الحقد والخوف من الآخر. والمحبة لا تمنح غير التسامح والتعاطف.

بهذه المحبة للنفس، والمحبة للانسانية جمعاء، وللطبيعة وللعدل والجمال، يمكننا ان نتعامل مع الدين او العقيدة التي نؤمن بها. بشرط تجنب الادعاء باننا نمتلك الحل السحري والخلاص الابدي، نعمل على تحقيق مشاريعنا بأقل ما يمكن من الاحقاد والاكاذيب والمظالم، وبأكثر ما يمكن من المحبة والتضامن والسلام والجمال.

نعم لقد آن أوان ان نقدس مبدأ (محبة النفس) ونتخلى عن مبدأ (التضحية بالنفس)، فمن يقبل بالتضحية بنفسه، يقبل بالتضحية بالانسانية جمعاء. ومن يقدس نفسه، يقدس الكون والبشرية وخالقها.

المحبة وليس الخوف

منبع الخير

المحبة 3

 لمزيد من المعلومات طالع:

ـ طالع موقع معابر، افضل موقع روحاني عربي: http://maaber.50megs.com/

ـ طالع عن الصوفية: من المهم جدا التمييز بين (فلسفة التصوف)، و(الطرق الصوفية) التي لا تخلوا من الشعوذة والمبالغات:

https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B5%D9%88%D9%81%D9%8A%D8%A9

ـ كذلك هذا الموقع الغني جدا عن التصوف والعرفان: http://www.ibnarabi.net/

ـ طالع عن وحدة الوجود: http://tawaseen.com/?p=2289

ـ طالع عن الحلاج:  http://urlz.fr/5Ffh

ـ طالع عن البوذية: https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%A8%D9%88%D8%B0%D9%8A%D8%A9

ـ عن التاوية الصينية: https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B7%D8%A7%D9%88%D9%8A%D8%A9

ملاحظة: ان القول الشهير : " عبدتك حباً فيك ، لا خوفاً من نارك ، ولا طمعاً في جنتك "

ينسب الى (علي بن ابي طالب)، وكذلك الى المتصوفة البصرية العراقية(رابعة العدوية).