الروح والنفس والعقل : الطاقات الثلاث المتحكمة بالانسان!

        كيف تعمل، وما علاقتها بـ( تناسخ الارواح) ؟

           لماذا الانسان، شيطان وملاك، في ذات الوقت؟                       

سليم مطر ـ جنيف

 Spirit Science Copie

ملاحظة مهمة: ان بحثنا هذه اصيل ومستقل غير مرتبط بعقيدة معينة، لأنه نتاج ادراك شخصي بعد أكثر من عشرين عام من البحث والتأمل والنقاش مع مختلف الطوائف البوذية والهندوسية والتاوية والمسيحية واليهودية والصوفية والحداثية.

    يصح القول ان هنالك طاقتان: (الروح) و(النفس)، اما (العقل) فهو ملتقاهما والحكم بينهما. كيف؟

                                                الروح

الروح: منذ اللحظة الاولى للتزاوج وهبوط النطفة في رحم الام، تهبط فيها (نفحة الروح الالهية). وهي نور متفرع من النور الالهي المطلق الذي يسير الكون. وهي طاقة الحياة والانسجام والتوازن، أي طاقة (الخير والجمال)، أي ما نسميه بـ(الوجدان والضمير).

حول (نفحة الروح) هذه يتشكل بدن الجنين. ان القلب هو مقر الروح، لآنه (نبض الحياة) واول الاعضاء في الخلق. وقد ذكرت في القرآن الكريم مرات عدة، منها: ((قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا))، كذكلك: ((وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ)).

(الروح) هي التي تمنح (طاقة الحياة والنمو ووعي الذات والكون)، لهذا هي متساوية في جميع البشر. لكن الاختلاف بين الناس يكمن في نوعية (النفوس) ومدى تأثيرها على دور(الارواح)(كما سنبين ذلك).

كذلك ان (نفحة الروح) هي ذاتها موجودة في جميع الكائنات الحية من حيوانات ونباتات، لكن الفرق يكمن خصوصا في مدى سيطرة(الغريزة البدنية) و(الوظائف التلقائية) التي تحد من دور الارواح في هذه الكائنات.

ان (الروح) هي التي تقود الانسان نحو الخيارات الصحيحة، أي ما نسمية بـ(الحدس)، أي (صوت الروح). وعندما لا ننصت إليه، فلأن صوت(النفس المزاجية) اقوى. فما هي هذه(النفس)؟                              

                                           النفس

النفس: مرتبطة بجسم الانسان وتنمو معه. وهي تنشأ اولا من غرائز الجسم الطبيعية مثل الجوع والجنس وغيرها، ثم تتطور مع حياة الانسان منذ تكونه في بطن امه وما يتلقاه منها من مشاعر، ثم ما يعيشه في حياته من تجارب ومؤثرات وصدمات وانفعالات. وتنشأ (النفس) خصوصا مع نشوء أجهزة الهظم والتناسل وتستقر فيهما، لانهما اساس ارتباط الانسان بالوجود والحياة المادية الواقعية. إذا كانت (الروح) هي (نتاج السماء والنور الالهي) فان (النفس) نتاج الارض والواقع المادي، بكل تعقيداته ومصاعبه وكفاحه.

ان (النفس) هي: (طاقة الامزجة والعواطف والشهوات، طاقة الكفاح والمنافسة والاستحواذ). لهذا قال عنها القرآن الكريم: ((إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ)). لانها هي وليست (الروح الالهية)، مسؤولة عن الخطايا. (النفس) تنتهي بالموت ونهاية الجسم، بينما (الروح) تظل خالدة وتنتقل من بدن الى بدن آخر. وهذا ما نسميه بـ (تناسخ الارواح).

                                               العقل

العقل، ابدا ليس هو الحاكم والمقرر، كما يتخيل (ادعياء العقل والعقلانية). بل هو مجرد منسق ومنفذ لإرادتي (الروح) و(النفس).. كيف؟

ان الدماغ (مقر العقل)، اشبه بالقيادة العليا التي فيها (البرلمان) و(الحكومة). حيث يجتمع ممثلي (الروح) و(النفس)، في كل مرة، وقد يتفقان وقد يختلفان، وبعد المداولات وحسب تأثير وحجج كل منهما، يتخذ (العقل) القرار ويخطط لتنفيذه.

مثال: صاحب شركة، نفسه البخيلة والاستحواذية توسوس له بتخفيظ اجور العمال. ولكن روحه(ضميره) يعترض ويحاجج النفس على ان هذه خطيئة مؤذية. فمن يغلب؟ اذا كانت (النفس) متطرفة الاستحواذية والانانية فان حماستها وحاجتها ستتغلب في (البرلمان العقلي)، على (الروح) التي بطبعها مسالمة ووديعة. حينها سيضطر (العقل) الى تبني مقترح (النفس) ويبدأ بتفسيره وتبريره وايجاد الحجج لدعمه ثم التخطيط لتنفيذه.

أما إذا كانت (النفس) قليلة الاستحواذية والانانية فانها ستكون مترددة وتعجز عن التغلب على (الروح ـ الضمير)، وبالتالي فان (برلمان العقل) سيتبنى (عدالة الروح) فيقرر ترك او تأجيل موضوع التخفيظات.

هكذا يمكن رؤية جميع سلوكيات الانسان مهما كانت صغيرة او كبيرة. في كل لحظة هنالك مداولات في (القيادة العقلية) بين (ممثلي الروح) و(ممثلي النفس). وقد يحدث احيانا كثيرة ان (الروح) و(النفس) متفقان بالرغبة، مثلا في حالة رعاية الأم لابنائها، والصداقة الحقة، وغيرها الكثير من السلوكيات التي بفضلها تبقى الحياة ويستمر الخير والابداع والجمال.

لهذا فأن مفهوم (الروحانية) يعني: بذل الجهد من خلال التأمل والصلوات وباقي التمارين، من اجل تهذيب (النفس) وتخفيف انفعالاتها ورغباتها السلبية(المؤذية للذات وللآخرين) وأذواقها القبيحة، وجعلها تسمو الى مستوى (الروح الالهية) وتنسجم معها، ليبلغ الانسان ارقى مستويات الضمير(محبة الذات والبشرية جمعاء)، وتذوق الجمال والابداع.

إذن يصح القول، ان الانسان السعيد حقا، ليس من يتبع اهواء (النفس) ويجمع الثروة والشهرة والسلطان، بل الذي يتبع (نداء الروح) ويحقق الانسجام والتوافق بين (الروح) و(النفس). وهم عموما لاشخاص الذين تغلب على شخصيتهم الطيبة والانسانية واحاسيس الرقة والجمال.

 

لمزيد من الروحانية، طالع كتابنا: (تاريخ روحي)