ماذا يعني: التصالـــــــــــــــح مع النفــــــــــــــس؟

 

سليم مطر ـ جنيف

nnfent interieur 

ـ التصالح مع النفس من اولى شروط الشفاء من الامراض الخطيرة!
ـ يعني التعرف على الماضي الطفولي والاعتراف به ثم تفهمه وتقبله.
ـ نفسية الانسان مثل عمارة من عدة طوابق، والطفولة هي الاساس والطابق الارضي.
ـ طفولة الانسان التعس، مثل حيوان شرس يكمن في باطنه، وعليه ان يكون مثل مدرب السيرك الذي يروض النمر ويصبح صديقه.

ان نفسية الانسان تعني مشاعره وميوله ورغباته:
الفرح والحزن، الغضب والهدوء، المحبة والحقد، الطيبة والقسوة، النزاهة والفساد، الكبرياء والوضاعة، الحماسة والخمول، الميول الى نوع معين من المهن والهوايات والاشخاص والاكلات والاماكن والفنون والالوان، والتقزز من نوع آخر.. الخ.
ياختصار ان نفسية الانسان هي شخصيته، وما (العقل او الدماغ) الا جهاز تخطيط وتنفيذ وتنسيق مع (النفسية). وان الادعاء بـ(سيطرة العقل) هي من خرافات العصر الحديث. ان العقل ما هو الا المهندس الذي تنسق معه كي يبني حياتك حسب(نفسيتك) وحسب امكانياتك المادية.
ان نفسية الانسان تبدأ بالتكون منذ تكونه في رحم امه. فهو يتأثر بنفسيتها ويستلم مشاعرها، حزنها وفرحها وغضبها وخوفها ومعاناتها.. الخ. وبعد الميلاد تستمر النفسية بالتكون والتعقد بتأثير الحياة من ناس ومناخ وتجارب ومصادر تربوية وثقافية ودينية.
لهذا يحق القول بان الانسان ونفسيته اشبه بالعمارة من عدة طوابق:
ـ الطابق الاساس أي القبو هي فترة الرحم.
ـ الطابق الاول الارضي، هي فترة الطفولة.
ـ الطابق الثاني هي فترة المراهقة.
ـ الطابق الثالث، هي فترة الشباب الاول. وهكذا دواليك باقي الطوابق والأعمار..
ومن السذاجة الكاملة ما يردده غالبية الناس:
ـ يا اخي انت انسان ناضج وعاقل فتجاوز وإنسى الماضي والطفولة وعش حاضرك.
وهذا القول يشبه تماما ان تقول لبنـــاية من عدة طوابق:
ـ ياسيدتي انت الآن تتكونين من اربعة طوابق، فعليك إذن تجاوز وتناسي طوابقك السابقة، التحتاني والارضي!
طبعا كما تعلمون ان هذين الطابقين هما اساس العمارة ومدخلها، ولكي تدوم العمارة وتنمو، عليك دائما ان تراجع وتصلح وتدعم هذين الطابقين الاساسي والاول، أي الطفولة.
لهذا فأن الانسان رغما عنه يستحيل عليه ان يعيش حاضره بالتمام، لأن الماضي والطفولة تكمن فيه وتحدد علاقته بالحاضر ونظرته الى الحياة، ايجابية او سلبية. فحسب الطفولة ومدى تعاستها وسعادتها، تتشكل نفسية الانسان.
ويمكن تشبيه الطفولة مثل حيوان يعيش في داخل الانسان. اذا كان قد عاش في عائلة مستقرة تسودها المحبة والتضامن والاحترام، فان حيوانه الداخلي يكون لطيفا مثل حمامة او كلب اليف، يجعله مستقرا ولطيفا في حياته، حتى لو صار عيشه بسيطا ومتواضعا. واذا كان قد عاش في عائلة متوترة تسودها المشاكل والاحقاد، فان حيوانه الطفولي يكون وحشا شرسا مثل ذئب او نمر، لايكف عن نهشه وتعذيبه وتوتير حاضره حتى لو صار زعيما او مليونيرا.
نعم، حاضر الانسان مهما تقدم بالعمر مرهون الى الابد بماضيه وطفولته.
لهذا فأن الحل الوحيد كي نحسن حاضرنا ونمنح الاستقرار والراحة لنفسيتنا، ونتخلص من عقدنا المتعبة وامراضنا الخطيرة، علينا ان نتصالح مع نفسنا. وهذا يعني ان نتحلى بالشجاعة بمراجعة طفولتنا وماضينا العائلي، ونتعرف عليه، ثم نعترف به، ثم نتفهمه ونتقبله ونتصالح معه، مثل مدرب السيرك الذي يتعرف ويدرس حيوانه المفترس كي يروضه ويحوله الى صديق. وهذا يتم عادة: بالبوح بالذكريات المكبوتة والمؤلمة على الورق والى المقربين وللطبيب النفساني. وان البكاء والدموع هي افضل المواد لغسل الماضي وتنظيفه.
ان مبدأ مراجعة الماضي والتصالح معه ينطبق ايضا على الشعوب، وهذا موضوع آخر سنعود إليه.
سليم مطر ـ جنيف
ملاحظة: يمكن اعادة نشر هذا النص في اي مكان مع ذكر اسم الكاتب
لمن يرغب بتفاصيل تجربتنا الشخصية باكتشاف الهوية، يمكنه مطالعة كتابنا السيرة:
اعترافات رجل لا يستحي